فصل: أسماء لازمت النداء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: توضيح المقاصد والمسالك بشرح ألفية ابن مالك ***


المجلد الثالث

تابع القسم الثاني‏:‏ تحقيق شرح الفية ابن مالك

الجزء الرابع

أسماء لازمت النداء‏:‏

معنى ملازمتها النداء أنها لم تستعمل في غيره إلا ‏"‏في‏"‏ ضرورة‏.‏ وهي ضربان‏:‏ مسموع، ومقيس‏.‏

فمن المسموع‏:‏ ‏"‏يا أبت‏"‏ و‏"‏يا أمت‏"‏ و‏"‏اللهم‏"‏ وقد تقدمت‏.‏ و‏"‏هناه‏"‏ بالضم والكسر‏.‏

كقوله‏:‏

وقد رابني قولها يا هناه‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

واختلفوا في مادة هذه الكلمة على قولين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن أصل مادته ‏"‏هـ‏.‏ ن‏.‏ و‏"‏ ثم اختلف القائلون بهذا على أربعة مذاهب‏:‏

الأول‏:‏ أن الهاء في ‏"‏هناه‏"‏ بدل من لام الكلمة، والأصل هناو، وهو مذهب أكثر البصرين‏.‏

والثاني‏:‏ أنها بدل من همزة مبدلة من الواو فهي بدل ‏"‏بدل‏"‏ اللام، وهو مذهب ابن جني‏.‏

والثالث‏:‏ أن اللام محذوفة والألف والهاء زائدتان في نفس البناء على حد زيادة الهمزة في أحمر‏.‏

والرابع‏:‏ أن اللام محذوفة ‏"‏أيضا‏"‏ والألف هي التي تلحق المنادى البعيد والمندوب والهاء للسكت، وهو مذهب الفراء واختيار المصنف وابن عصفور، ويدل على صحته كسرها، لالتقاء الساكنين‏.‏

والقول الآخر‏:‏ أن أصل مادته ‏"‏هـ‏.‏ ن‏.‏ ة‏"‏ فهو من باب سلس، وهو مذهب أبي زيد‏.‏

قال الشيخ أبو حيان‏:‏ ولو ذهب ذاهب إلى أن أصل ‏"‏هن‏"‏ ومادته ‏"‏هـ‏.‏ ن‏.‏ ن‏"‏ مستدلا بما حكاه أبو الخطاب من قولهم‏:‏ ‏"‏يا هنانان‏"‏ في التثنية يريد‏:‏ ‏"‏يا هنان‏"‏ لكان مذهبا‏.‏

ومن المسموع‏:‏ ‏"‏فُلُ‏"‏ وقد أشار إليه بقوله‏:‏

وفُلُ بعض ما يُخَص بالندا

يقال‏:‏ ‏"‏يا فل‏"‏ للرجل، و‏"‏يا فلة‏"‏ للمرأة‏.‏

واختلف فيهما، وفمذهب سيبويه أنهما كناية عن نكرتين، ففُلُ‏:‏ كناية عن رجل، وفُلَةُ‏:‏ كناية عن امرأة‏.‏

وذهب الكوفيون إلى أن أصلهما فلان وفلانة فرخما، ورد بأنه لو كان مرخما لقيل فيه ‏"‏فلا‏"‏، ولما قيل في التأنيث فلة‏.‏

وذهب الشلوبين وابن عصفور وصاحب البسيط‏:‏ إلى أن ‏"‏فل‏"‏ كناية عن العَلَم بمعنى يا فلان، وهذا مذهب الناظم، فإنه صرح في شرح التسهيل وغيره، بأن ‏"‏يا فل‏"‏ بمعنى يا فلان‏.‏ و‏"‏يا فلة‏"‏ بمعنى يا فلانة، قال‏:‏ وهما الأصل، ولا يستعملان منقوصَيْن في غير نداء إلا في ضرورة‏.‏

قلت‏:‏ وهو موافق لمذهب الكوفيين في أنهما بمعنى فلان وفلانة، مخالف له في الترخيم‏.‏

فإن قلت‏:‏ قوله‏:‏ وهما الأصل ‏"‏يعني‏"‏ موافقة الكوفيين ‏"‏في الترخيم‏"‏‏.‏

‏"‏قلت‏:‏ قد رد المصنف مذهب الكوفيين في أنهما ترخيم‏"‏ فلان وفلانة بالوجهين السابقين، فعلم أنه غير موافق لهم على ذلك، بل هما عنده من ‏"‏قبيل‏"‏ ما حذف منه لغير ترخيم‏.‏

ومن المسموع‏:‏ ‏"‏لُؤمان‏"‏ و‏"‏نَومان‏"‏ وقد نبه عليهما بقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ لُؤْمَان نَوْمَان كذا

أي‏:‏ مختصان بالنداء‏.‏

أما ‏"‏لؤمان‏"‏ -بالهمز وضم اللام- فمعناه يا عظيم اللؤم، ومثله‏:‏

‏"‏يا مَلأمُ‏"‏ و‏"‏يا مَلأمَان‏"‏‏.‏

وأما ‏"‏نومان‏"‏ -بفتح النون- فمعناه يا كثير النوم‏.‏

‏"‏تنبيهان‏"‏‏:‏

الأول‏:‏ الأكثر في بناء ‏"‏مَفْعَلان‏"‏ نحو ‏"‏مَلْأَمَان‏"‏ أن يأتي في الذم‏.‏ وقد جاء في المدح ‏"‏يا مَكْرَمَان‏"‏‏.‏ حكاه سيبويه والأخفش، و‏"‏يا مَطْيَبَان‏"‏‏.‏

وزعم ابن السيد‏:‏ أنه مختص بالذم، وأن ‏"‏مَكْرَمَان‏"‏ تصحيف ‏"‏مَكْذَبان‏"‏‏.‏ وليس بشيء‏.‏

الثاني‏:‏ قال في شرح الكافية -بعد أن ذكر ملأم، ولؤمان، وملأمان، ومكرمان‏:‏

وهذه الصفات مقصورات على السماع بإجماع‏.‏ انتهى‏.‏ وتبعه الشارح، وهو صحيح في غير ‏"‏مَفْعَلان‏"‏، فإن فيه خلافا أجاز بعضهم القياس عليه، فنقول‏:‏ ‏"‏يا مَخْبَثان‏"‏، وفي الأنثى ‏"‏يا مَخْبَثانة‏"‏‏.‏

ثم انتقل إلى المقيس فقال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ واطردا

في سب الأنثى وَزْنُ يا خَبَاثِ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

اطراده مشروط بشرطين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن يكون في السب‏.‏

والثاني‏:‏ أن يكون من ثلاثي كالنوع الذي يليه‏.‏

وسبب بنائه على الكسر شبهه بنزال عدلا وزنة وتأنيثا‏.‏

تنبيه‏:‏

كلام المصنف في الكافية والتسهيل وكلام الشارح يوهم أن في القياس عليه خلافا؛ لنصه على سيبويه وحده‏.‏

قال الشيخ أبو حيان‏:‏ ولا أعلم فيه خلافا، وفي الارتشاف -في باب ما لا ينصرف- قال بعضهم‏:‏ لا يقاس، فلا يقال‏:‏ ‏"‏يا قباح‏"‏ قياسا على ‏"‏فساق‏"‏‏.‏

ثم استطرد فقال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ والأمر هكذا من الثلاثي

يعني أن بناء ‏"‏فَعَال‏"‏ للأمر مطرد من كل فعل ثلاثي نحو ‏"‏نَزَالِ‏"‏ و‏"‏تَرَاكِ‏"‏ هذا مذهب سيبويه، وخالفه المبرد فقال‏:‏ ‏"‏لا يقال منه إلا‏"‏ ما سمع‏.‏

فإن قلت‏:‏ أهمل المصنف من شروط القياس على هذا النوع أربعة شروط‏:‏

الأول‏:‏ أن يكن مجردا، فأما غير المجرد فلا يقال منه إلا ما سمع نحو‏:‏ دراك‏.‏

والثاني‏:‏ أن يكون تاما، فلا يُبنى من الناقص‏.‏

والثالث‏:‏ أن يكون متصرفا‏.‏

والرابع‏:‏ أن يكون كامل التصرف، لا يُبنى من يذر ويَدعُ‏.‏

قلت‏:‏ اشتراط بعض هذه الشروط واضح، فلم يتعرض له، وقوله‏:‏ ‏"‏ثلاثي‏"‏ محمول على المجرد كما تقدم في التعجب‏.‏

ثم رجع إلى المسموع فقال‏:‏

وشاع في سب الذكور فُعَلُ‏.‏‏.‏‏.‏ ولا تَقِسْ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

يعني‏:‏ أن ما عدل إلى فُعَل في سب الذكور نحو‏"‏ يا خُبَث‏"‏ و‏"‏يا فُسَق‏"‏ و‏"‏يا غُدَر‏"‏ و‏"‏يا لُكَع‏"‏ شائع، ومع شياعه لا يقاس عليه، قيل‏:‏ والمسموع منه هذه الأربعة‏.‏

ونص المغاربة ‏"‏على‏"‏ أنه ينقاس عليه، ونقله في البسيط عن سيبويه، ومن قاس عليه فبالشروط السابقة‏.‏

ثم نبه على أن بعض هذه الألفاظ قد استعمل في غير النداء ضرورة، بقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وجُرّ في الشعر فُلُ

يعني في قول الراجز‏:‏

أمسك فلانا عن فُلِ

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ الحاصل من كلام سيبويه أن ‏"‏فل‏"‏ في الرجز محذوف من فلان؛ لضرورة الشعر، وليس هو المختص بالنداء، بل هو غيره، ومعناهما مختلف؛ لأن المختص كناية عن اسم جنس، وهذا كناية عن علم، ومادتهما مختلفة‏.‏

فالمختص مادته ‏"‏ف‏.‏ ل‏.‏ ي‏"‏، وهو محذوف اللام، فلو صغر قلت فيه‏:‏ ‏"‏فُلَيٌّ‏"‏‏.‏

وهذا مادته ‏"‏ف‏.‏ ل‏.‏ ن‏"‏، فلو صغر قلت فيه‏:‏ ‏"‏فُلَيْنٌ‏"‏ وتقدم ما ذهب إليه المصنف‏.‏

الثاني‏:‏ ليس مراده أنه لم يستعمل في غير النداء من الألفاظ المذكورة إلا ‏"‏فل‏"‏‏.‏

بل ‏"‏ذكرها‏"‏‏.‏ تنبيها على ورود نظيره، ومنه قوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ قَعِيدَته لَكَاعِ

وخرجه بعضهم على تقديم‏:‏ يقال لها‏:‏ يا لكاع، فحذف القول وحرف النداء‏.‏

الاستغاثة‏:‏

هي نداء من يخلِّص من شدة، أو يعين على مشقة‏.‏

وللمستغاث ثلاثة أحوال‏:‏

أحدها‏:‏ أن يجر بلام مفتوحة، وهذا أكثر أحواله‏.‏

الثانية‏:‏ أن يجاء في آخره بألف معاقبة للام‏.‏

الثالثة‏:‏ أن يجرد من اللام والألف ويجعل كالمنادى المطلق نحو‏:‏ ‏"‏يا زيد لعمرو‏"‏ وهذه أقلها‏.‏ ومنها قوله‏:‏

ألا يا قوم لِلعجَبِ العجيبِ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

وقد ذكر الثلاثة في الكافية، واقتصر هنا على الأولين كالتسهيل؛ لقلة الثالث‏.‏ فأشار إلى الأول بقوله‏:‏

إذا استُغيث اسمٌ منادى خُفِضَا‏.‏‏.‏‏.‏ باللام مفتوحا كَيَا للمُرْتَضَى

إنما جر المستغاث باللام للتنصيص على الاستغاثة، وفتحت لوقوعه موقع المضمر، ولكونه منادى، وليحصل بذلك فرق بينه وبين المستغاث من أجله، وإنما أعرب مع كونه منادى مفردا معرفة؛ لأن ‏"‏تركيبه‏"‏ مع اللام أعطاه شبها بالمضاف‏.‏ وقد فهم من النظم فوائد‏:‏

الأولى‏:‏ أن ‏"‏استغاث‏"‏ متعد بنفسه لقوله‏:‏ ‏"‏إذا استُغيث اسم منادى‏"‏‏.‏

والنحويون يقولون‏:‏ مستغاث به‏.‏

قال في شرح التسهيل‏:‏ وكلام العرب بخلاف ذلك، والمعروف في اللغة تعدي فعله بنفسه‏.‏

قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ‏}‏‏.‏

وقيل‏:‏ بل هو يتعدى بوجهين، وقد جاء ‏"‏تعديه‏"‏ بالباء في أبيات‏.‏

الثانية‏:‏ أن المستغاث معرب؛ لقوله‏:‏ ‏"‏خفضا‏"‏ وتقدم بيانه‏.‏

الثالثة‏:‏ أنه يجوز أن يكون بأل، وإن كان منادى؛ لأن حرف النداء لم يباشرها‏.‏ فُهِمَ ‏"‏ذلك‏"‏ من تمثيله، وهو مجمع عليه‏.‏

فإن قلت‏:‏ يرد على عبارته ثلاثة أشياء‏:‏

الأول‏:‏ أنه قال‏:‏ ‏"‏اسم منادى‏"‏ وأطلق فأوهم أنه يجوز نداؤه بغير ياء، وذلك غير جائز، فإن المستغاث لا يُنادى إلا بيا‏.‏

والثاني‏:‏ أنه قال ‏"‏خفضا باللام‏"‏ بصيغة الجزم، وقد تقدم أنه ليس بلازم، وبل هو الأكثر‏.‏

والثالث‏:‏ أنه قال‏:‏ ‏"‏مفتوحا‏"‏ وأطلق، وثَمَّ موضع يكسر فيه وهو مع ياء المتكلم في نحو ‏"‏يَالِي‏"‏‏.‏ وقد أجاز أبو الفتح في قوله‏:‏

فَيَا شَوْقِ ما أبقى ويَالِي من النَّوَى

أن يكون استغاث بنفسه ‏"‏وأن يكون استغاث لنفسه‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ الجواب على الأول أن قوله بعد‏:‏ ‏"‏إِنْ كرَّرْتَ يا‏"‏ يرشد إلى ذلك؛ إذ لم يقل‏:‏ إن كررت حرف النداء‏.‏

وعن الثاني‏:‏ أن قوله بعد‏:‏ ‏"‏ولامُ ما استُغيث عَاقَبَتْ أَلِفْ‏"‏ يوضح أن جره باللام ليس بلازم‏.‏

وعن الثالث‏:‏ أن كسر اللام مع ياء المتكلم معلوم وجوبه في كل موضع فهو ‏"‏يقيد‏"‏ الإطلاق، على أن ان عصفور قال‏:‏ الصحيح عندي أن ‏"‏يالي‏"‏ حيث وقع مستغاث له، والمستغاث به محذوف‏.‏

وعلل ذلك بأن العامل في المستغاث فعل النداء المضمر، فيصير التقدير‏:‏ يا أدعو لي، وذلك غير جائز في غير ‏"‏ظننت‏"‏ وما حمل عليها، إلا أن في لزوم هذا لابن جني نظرا؛ لأن اللام تتعلق عنده بحرف النداء‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ اختلفوا في اللام الداخلة على المستغاث، فقيل‏:‏ هي بقية آل، والأصل‏:‏ يا آل زيد، وزيد مخفوض بالإضافة، ونقله المصنف عن الكوفيين، ونقله صاحب النهاية عن الفراء‏.‏ وفي نسبته إلى الفراء نظر‏.‏

لأن الفراء ‏"‏حكى‏"‏ أن من الناس من زعم أنها بقية من آل، فظاهر حكايته أنه ليس مذهبا له‏.‏

وذهب الجمهور إلى أنها لام الجر، ثم اختلفوا فقيل‏:‏ زائدة فلا تتعلق بشيء، وهو اختيار ابن خروف، وقيل‏:‏ ليس بزائدة فتتعلق، وفيما تتعلق به على هذا قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنها تتعلق بالفعل المحذوف، وهو مذهب سيبويه، واختيار ابن عصفور‏.‏

الثاني‏:‏ أنها تتعلق بحرف النداء، وهو مذهب ابن جني‏.‏

الثالث‏:‏ إذا وصف المستغاث جرت صفته نحو‏:‏ ‏"‏يَا لزيد الشجاع لِلمظلوم‏"‏، وفي النهاية لا يبعد نصب الصفة حملا على الموضع؛ لأن الجار والمجرور لا بد له من شيء يتعلق به‏.‏

وقوله‏:‏

وافْتَحْ مع المعطوفِ إِنْ كررْتَ يا‏.‏‏.‏‏.‏ وفي سِوَى ذلك بالكسر ائْتِيَا

إذا عطف على المستغاث فإما أن تتكرر ‏"‏يا‏"‏ أو لا‏.‏

فإن تكررت فتحت اللام كقوله‏:‏

يا لَقومي ويا لأمثال قومي‏.‏‏.‏‏.‏ لأناس عُتُوُّهُمْ في ازدياد

وإن ولم تتكرر كسرت نحو‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ يالَلْكَهُولِ وَلِلشُّبَّانِ لِلْعَجَبِ

وإنما كسرت لأمن اللبس‏.‏

فإن قلت‏:‏ فهل هي لازمة في المعطوف‏؟‏

قلت‏:‏ لا؛ لقوله‏:‏

يا لَعَطَّافِنَا ويَالرباح‏.‏‏.‏‏.‏ وأبي الحشرج الفتى النَّفَّاح

فجمع بين الأمرين‏.‏

واعلم أن قوله‏:‏ ‏"‏سوى ذلك‏"‏ يعني به سوى ما ذكر من المستغاث والمعطوف المعاد معه ‏"‏يا‏"‏ فشمل شيئين‏:‏

أحدهما‏:‏ المعطوف الذي لم تعد معه ‏"‏يا‏"‏ كما تقدم، والآخر المستغاث من أجله‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ ما ذكره عن كسر اللام مع المستغاث من أجله، إنما هو في الأسماء الظاهرة، فأما الضمير فتفتح اللام معه إلا مع الياء نحو‏:‏ ‏"‏يا لَزيد لك‏"‏‏.‏

وإذا قلت‏:‏ ‏"‏يا لك‏"‏ احتمل الأمرين، وقيل في قوله‏:‏

فيَا لَك من ليل كأن نجومه

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ إن اللام فيه للاستغاثة‏.‏

الثاني‏:‏ اختلف فيما تتعلق به اللام الجارة للمستغاث من أجله، فقيل‏:‏ بحرف النداء‏.‏

وقيل‏:‏ بفعل محذوف؛ أي أدعوك لزيد، وقيل‏:‏ بحال محذوفة؛ أي مدعوا لزيد‏.‏

وقد علم بهذا أن قول ابن عصفور أنها تتعلق بفعل مضمر تقديره‏:‏ أدعوك قولا واحدا ليس كما قال‏.‏

الثالث‏:‏ قد يجر المستغاث من أجله بمن لأنها قد تأتي للتعليل بمعنى اللام كقوله‏:‏

يا لَلرجال ذوي الألباب من نَفَر‏.‏‏.‏‏.‏ لا يَبرحُ السفه الْمُرْدي لَهم دينا

الرابع‏:‏ قد يحذف المستغاث قيل ‏"‏يا‏"‏ المستغاث من أجله؛ لكونه غير صالح لأن يكون مستغاثا كقوله‏:‏

يا لأُنَاس أَبَوْا إلا مُثابرة‏.‏‏.‏‏.‏ على التوغل في بَغْيٍ وعدوان

الخامس‏:‏ قد يكون المستغاث مستغاثا من أجله نحو‏:‏ ‏"‏يا لَزيد لزيد‏"‏ أي‏:‏ أدعوك لتنصف من نفسك‏.‏

ثم أشار إلى ثاني أحوال المستغاث بقوله‏:‏

ولام ما استغيث عاقبت ألف‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

يعني‏:‏ أن الألف تعاقب لام الاستغاثة فلا يجتمعان، تقول‏:‏ ‏"‏يا لزيد‏"‏ و‏"‏زيدا‏"‏ ولا يجوز ‏"‏يا لزيدا‏"‏‏.‏

ومن وروده بالألف قوله‏:‏

يا يزيدا لآمل نيل عز

وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ومثله اسم ذو تعجب ألف

يعني‏:‏ أن المتعجب منه إذا نودي عومل معاملة المستغاث من غير فرق، فيجوز جره بلام مفتوحة نحو قولهم‏:‏ ‏"‏يا لَلماء‏"‏ و‏"‏يا لَلعجب‏"‏‏.‏

ويجوز الاستغناء عن اللام بالألف نحو‏:‏ ‏"‏يا عجبا‏"‏، وقد يخلو منهما، نحو‏:‏ ‏"‏يا عجب‏"‏‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ جاء عن العرب في نحو‏:‏ ‏"‏يا للعجب‏"‏ فتح اللام باعتبار استغاثته، وكسرها باعتبار الاستغاثة من أجله، وكون المستغاث محذوفا‏.‏

الثاني‏:‏ التعجب بالنداء على وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن ترى أمرا عظيما فتنادي جنسه نحو‏:‏ ‏"‏يا للماء‏"‏‏.‏

ثانيهما‏:‏ أن ترى أمرا تستعظمه فتنادي مَن له نسبة إليه ومكنة فيه نحو‏:‏ ‏"‏يا للعلماء‏"‏‏.‏

والثالث‏:‏ إذا وقفت على المستغاث أو المتعجب منه حالة إلحاق الألف جاز الوقف بهاء السكت‏.‏

الندبة‏:‏

هي نداء المتفجع عليه أو المتوجع منه، وهي من كلام النساء غالبا، والمندوب هو المذكور بعد ‏"‏يا‏"‏ أو ‏"‏وا‏"‏ تفجعا لفقده حقيقة؛ كقول جرير يرثي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وقُمتَ فيه بأمر الله يا عُمَرا

أو حكما؛ كقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ ‏"‏واعمراه واعمراه‏"‏ حين أُعلم بجدب شديد أصاب قوما من العرب‏.‏

أو توجعا؛ لكونه محل ألم، نحو قوله‏:‏

فواكبدا من حب من لا يحبني‏.‏‏.‏‏.‏ ومن عبرات ما لهن فناء

أو سببه كقوله‏:‏

وتقول سلمى وازيتيه

وحكم المندوب حكم المنادى، فلهذا قال‏:‏ ما للمنادى اجعل لمندوب‏.‏

يعني‏:‏ أنه يضم إذا كان مفردا نحو ‏"‏وازيد‏"‏ وينصب إذا كان مضافا أو مطولا نحو‏:‏ ‏"‏واعبد الله‏"‏ و‏"‏واضربا عمرا‏"‏‏.‏

وإذا اضطر شاعر إلى ‏"‏تنوينه‏"‏ جاز ضمه ونصبه كقوله‏:‏

وافقْعَسا وأين مني فَقْعَسُ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

ثم نبه على ما لا تصح ندبته بقوله‏:‏

وما نُكِّر لم يُندب ولا ما أُبهما

الغرض من الندبة الإعلام بعظمة المصاب؛ فلذلك لا يندب إلا المعرفة السالم من إبهام، فلا تندب النكرة‏.‏

وأجاز الرياشي ندبة اسم الجنس المفرد، وقد جاء في الأثر‏:‏ ‏"‏واجبلاه‏"‏ وهو نادر‏.‏

ولا يندب المبهم كاسم الإشارة والموصول بصلة لا تعينه، لا يقال‏:‏ ‏"‏واهذاه‏"‏‏.‏

ولا ‏"‏وامن ذَهَباه‏"‏ لأن ذلك لا يقع به العذر للمتفجع‏.‏

ويجوز أن يندب الموصول بصلة تعينه لشهرتها‏.‏ وإلى هذا أشار بقوله‏:‏

ويُندب الموصول بالذي اشْتَهَرْ‏.‏‏.‏‏.‏ كبئر زمزم يلي وامَنْ حَفَرْ

فتقول‏:‏ ‏"‏وامن حفر بئر زمزم‏"‏ لأنه في الشهرة كالعلم‏.‏

ثم نبه على ما يلحق آخر المندوب فقال‏:‏

ومُنتهى المندوب صله بالألف

يشتمل منتهى المندوب آخر المفرد نحو‏:‏ ‏"‏وازيدا‏"‏، أو المضاف نحو‏:‏ ‏"‏واعبدا الملكا‏"‏ وما طول به نحو‏:‏ ‏"‏واثلاثة وثلاثينا‏"‏ والصلة نحو‏:‏ ‏"‏وامن حفر بئر زمزما‏"‏ وعجز المركب نحو‏:‏ ‏"‏وامعدي كربا‏"‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏صله‏"‏ يعني جوازا؛ لأن المندوب له استعمالان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن يجري مجرى غيره من المناديات كما تقدم‏.‏

والآخر‏:‏ أن يوصل بالألف المذكورة‏.‏

فإن قلت‏:‏ أطلق في وصل المندوب بالألف وقيده في التسهيل بألا يكون في آخره ألف وهاء، فلا يقال‏:‏ ‏"‏واعبد اللاهاه‏"‏ ولا ‏"‏واجهجاهاه في عبد الله‏"‏ و‏"‏جهجاه‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ إطلاقه هنا موافق لإطلاق النحويين، وصرح بعض المغاربة بجوازه وفي ألفية ابن معطي‏.‏

وفي المضاف‏:‏ ‏"‏يا عبيد اللاهاه‏"‏‏.‏

ولا يخلو ما قبل ألف الندبة من أن يكون ساكنا أو مفتوحا أو مكسورا أو مضموما، فإن كان ساكنا فتح للألف نحو‏:‏ ‏"‏وامن يغزواه‏"‏ و‏"‏وامن يرمياه‏"‏ ما لم يكن ألفا أو تنوينا أو ياء ساكنة مضافا إليها المندوب أو واوا أو ياء لا يقبلان الحركة، فإن كان ألفا حذفت لتعذر تحريكها نحو‏:‏

‏"‏واموساه‏"‏‏.‏

وأشار إليه بقوله‏:‏

مَتْلُوها إن كان مثلها حُذف

أي‏:‏ متلو ألف الندبة، يعني‏:‏ الحرف الذي قبلها إن كان ألفا مثلها حذف لما تقدم، وأجاز الكوفيون قياسا قلب الألف فقالوا‏:‏ ‏"‏وامُوسياه‏"‏، وإن كان تنوينا حذف أيضا؛ لأنه لاحظ له في الحركة وفتح ما قبله، فتقول‏:‏ ‏"‏واغلام زيداه‏"‏ وهذا مذهب سيبويه والبصريين‏.‏

وأجاز الكوفيون فيه مع الحذف وجهين‏:‏ فتحه، فتقول‏:‏ ‏"‏واغلام زيدناه‏"‏ وكسره مع قلب الألف ياء فتقول‏:‏ ‏"‏واغلام زيدنيه‏"‏‏.‏

قال المصنف‏:‏ وما رأوه حسن لو عضده سماع، لكن السماع فيه لم يثبت‏.‏

وقال ابن عصفور‏:‏ أهل الكوفة يحركون التنوين فيقولون‏:‏ ‏"‏واغلام زيدناه‏"‏، وزعموا أنه سُمع‏.‏ انتهى‏.‏

وأجاز الفراء وجها ثالثا، وهو حذفه مع إبقاء الكسرة وقلب الألف ياء؛ فتقول‏:‏ ‏"‏واغلام زيديه‏"‏‏.‏

ولا يجيز البصريون إلا الأول‏.‏

فإن كان الياء المشار إليها فسيأتي الكلام عليها‏.‏

وإن كان واوا لا تقبل الحركة كواو الصلة في نحو‏:‏ ‏"‏غلامه‏"‏ أو ياء كذلك نحو‏:‏ ‏"‏غلامه‏"‏ حذفا، وقلبت الألف إلى مجانس ما قبلها‏.‏

وإن كان ما قبل الألف مفتوحا استصحب فتحة نحو‏:‏ ‏"‏واعبد يغوثاه‏"‏ وإن كان ما قبلها مكسورا أو مضموما، فإما أن يوقع فتحه في لبس أو لا، فإن لم يوقع فتحه في لبس وجب فتحه كقولك في عبد الملك‏:‏ ‏"‏واعبد الملكاه‏"‏ وفي من اسمه ‏"‏قام الرجل‏"‏ وقام الرجلاه، وإنما فتح لتسلم الألف‏.‏

فإن أوقع ‏"‏في لبس‏"‏ قلبت ألف الندبة ياء بعد الكسرة، وواوا بعد الضمة‏.‏ فتقول في ندبة ‏"‏غلام‏"‏ مضافا إلى ضمير المخاطبة‏.‏ ‏"‏واغلامكيه‏"‏ وفي ندبته مضافا إلى ضمير الغائب ‏"‏واغلامهوه‏"‏؛ إذ لو قلت‏:‏ ‏"‏واغلامكاه‏"‏ لالتبس بالمذكر، ولو قلت‏:‏ ‏"‏واغلامهاه‏"‏ لالتبس بالغائبة‏.‏

وذلك مفهوم من قوله‏:‏

والشكل حتما أوله مُجانسا‏.‏‏.‏‏.‏ إن يكن الفتح بِوَهْمٍ لابسا

الشكل‏:‏ الحركة، ومجانس الكسرة‏:‏ الياء، ومجانس الضمة‏:‏ الواو‏.‏

وأشار بقوله‏:‏ ‏"‏حتما‏"‏ إلى وجوب ذلك دفعا للبس‏.‏

وفهم من الشروط أن الألف لا تغير إذا كان الفتح لا يلبس كما تقدم‏.‏

وهذا مذهب البصريين، وأجاز الكوفيون إتباع الألف للكسرة في المثنى نحو‏:‏ ‏"‏وازيدانيه‏"‏ وفي ‏"‏المفرد‏"‏ نحو‏:‏ ‏"‏واعبد الملكيه‏"‏ وفي نحو‏:‏ ‏"‏رَقاش‏"‏ ‏"‏وارقاشيه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏

وواقفا زِدْ هاء سَكْتٍ إن تُرِدْ‏.‏‏.‏‏.‏ وإن تشأ فالمد والها لا تَزِدْ

إذا وقف على المندوب زيد بعد ألفه أو بدلها هاء السكت، وليست بلازمة بل غالبة؛ لأنه يجوز الاقتصار على المد فيقال‏:‏ ‏"‏وازيدا‏"‏‏.‏

وهذا معنى قوله‏:‏ ‏"‏وإن تشأ فالمد والها لا تزد‏"‏ أي‏:‏ إن تشأ ألا تزيد الهاء فالمد كافٍ وهو كالتنصيص على ما فهم من قوله‏:‏ ‏"‏إن ترد‏"‏ ولو قيل‏:‏ فالمد بالنصب لأفاد جواز تجريده من المد أيضا، أي‏:‏ وإن تشأ فلا تزد المد والهاء، بل تجعله كالمنادى غير المندوب وقد تقدم بيانه أول الباب‏.‏ وقد فهم من قوله‏:‏ ‏"‏وواقفا‏"‏ أن هذه الهاء لا تثبت وصلا، وربما ثبتت في الضرورة مضمومة ومكسورة، وأجاز الفراء إثباتها في الوصل بالوجهين‏.‏ قوله‏:‏

وقائلٌ واعبديا واعبدا‏.‏‏.‏‏.‏ مَن في الندا اليا ذا سكون أبدَى

تقدم أن ‏"‏في‏"‏ المنادى المضاف إلى ياء المتكلم ‏"‏نحو‏:‏ ‏"‏يا عبد‏"‏‏"‏ ست لغات‏:‏

فإذا ندبت على لغة من يقول‏:‏ ‏"‏يا عبد‏"‏ -بالكسر- أو ‏"‏يا عبد‏"‏ -بالفتح- أو ‏"‏يا عبد‏"‏ -بالضم- أو ‏"‏يا عبدا‏"‏ -بالألف‏.‏

قلت‏:‏ ‏"‏واعبدا‏"‏ لما علمت، وإذا ندبت على لغة من أثبت الياء مفتوحة قلت‏:‏ ‏"‏واعبديا‏"‏‏.‏ وإذا ‏"‏ندبت‏"‏ على لغة من أثبتها ساكنة وهو المشار إليه في البيت فوجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن تحذفها لالتقاء الساكنين، وتفتح ما قبلها فتقول‏:‏ ‏"‏واعبدا‏"‏‏.‏

والثاني‏:‏ أن تفتحها لقبولها الحركة فتقول‏:‏ ‏"‏واعبديا‏"‏‏.‏

والحذف مذهب المبرد، والفتح مذهب سيبويه‏.‏

الترخيم‏:‏

الترخيم في اللغة‏:‏ ترقيق الصوت وتليينه، يقال‏:‏ صوت رخيم، أي رقيق‏.‏ وفي الاصطلاح‏:‏ حذف بعض الكلمة على وجه مخصوص‏.‏

وهو على ثلاثة أنواع‏:‏ ترخيم النداء، وترخيم الضرورة، وترخيم التصغير، والمذكور في هذا الباب الأولان، ويأتي الثالث في بابه إن شاء الله تعالى‏.‏

أما ترخيم النداء، فهو حذف آخر المنادى تخفيفا، وقد أشار إليه بقوله‏:‏

ترخيما احذف المنادى

ثم مثله بقوله‏:‏

كيا سُعا فيمن دعَا سُعَادَا

في قوله من دعا ‏"‏سعاد‏"‏ فحذف المضاف‏.‏

فإن قلت‏:‏ فما وجه نصبه ترخيما‏؟‏

قلت‏:‏ أجاز ‏"‏فيه‏"‏ الشارح أن يكون مفعولا له أو مصدرا في موضع الحال، أو ظرفا على حذف مضاف‏.‏ فهذه ثلاثة أوجه‏.‏

ويحتمل رابعا‏:‏ وهو أن يكون مفعولا مطلقا وناصبه احذف؛ لأنه يلاقيه في المعنى‏.‏

ثم أخذ في بيان ما يجوز ترخيمه فقال‏:‏

وجَوِّزْنَه مطلقا في كل ما‏.‏‏.‏‏.‏ أنت بالها‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

المنادى ضربان‏:‏ مؤنث بالهاء ومجرد منها‏.‏

فالمؤنث بها يجوز ترخيمه مطلقا، أي‏:‏ بلا شرط فيرخم علما وغير علم، وثلاثيا وأزيد نحو‏:‏

أفاطمُ مَهلا بعض هذا التدلل‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

ونحو‏:‏

جارِيَ لا تستنكري عَذيري

و‏"‏يا شا ادجُنِي‏"‏ أي‏:‏ أقيمي يقال‏:‏ دَجَنَ بالمكان يَدْجُن دُجُونا‏:‏ أقام به‏.‏ فإن قلت‏:‏ كيف قال مطلقا، ولترخيمه خمسة شروط‏:‏

الأول‏:‏ أن يكون معينا، فلا يجوز ترخيم النكرة غير المقصودة كقول الأعمى‏:‏ ‏"‏يا امرأة خُذي بيدي‏"‏‏.‏

والثاني‏:‏ ألا يكون مضافا، فلا يجوز ترخيم نحو‏:‏ ‏"‏يا طلحة الخير‏"‏، وأما نحو قوله‏:‏

يا علقم الخير قد طالت إقامتنا

فنادر‏.‏

والثالث‏:‏ ألا يكون مختصا بالنداء فلا يرخم فلة‏.‏

والرابع‏:‏ ألا يكون مندوبا ‏"‏فإن المندوب‏"‏ لا يجوز ترخيمه، لحقته علامة الندبة أو لم تلحقه، نص عليه سيبويه‏.‏

والخامس‏:‏ ألا يكون مستغاثا به، فإنه لا يجوز ترخيمه‏.‏

قلت‏:‏ وقد يجاب بأن معنى قوله‏:‏ مطلقا، أي‏:‏ بلا شرط من الشروط التي تخص المجرد كالعلمية‏.‏

وأما هذه الشروط فاشترك فيها النوعان إلا أن ‏"‏اشتراطه للإضافة‏"‏ في المجرد يوهم عدم اشتراطها في المؤنث بالهاء، فيقوى السؤال، وقد استغنى عن الأولين في التسهيل باشتراط ‏"‏البناء‏"‏ ولم يذكر ‏"‏الثالث‏"‏‏.‏

تنبيهات‏:‏

الأول‏:‏ شرط المبرد في ترخيم المؤنث بالهاء العلمية؛ فمنع ترخيم النكرة المقصودة، والصحيح جوازه لما تقدم‏.‏

الثاني‏:‏ منع ابن عصفور ترخيم ‏"‏صلعمة بن قلعمة‏"‏ لأنه كناية عن المجهول الذي لا يعرف، وإطلاق النحاة بخلافه، فليس كونه كناية عن المجهول بمانع؛ لأنه علم جنس‏.‏

الثالث‏:‏ إذا ناديت طلحة ونحوه ورخمت قلت‏:‏ يا طلحَ ويا طلحُ بالفتح والضم كما سيأتي، وإن لم ترخم قلت‏:‏ ‏"‏يا طلحةُ‏"‏ بضم التاء‏.‏

وقد سمع وجه رابع، وهو ‏"‏يا طلحةَ‏"‏ بفتح التاء، قال النابغة‏:‏

كليني لهم يا أميمةَ نَاصِبِ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

فاختلف النحويون فيه، فقال قوم‏:‏ ليس بمرخم، ثم اختلفوا؛ فقيل‏:‏ هو معرب نُصب على أصل المنادى ولم ينون لأنه غير منصوب، وقيل‏:‏ هو مبني على الفتح؛ لأن منهم من يبني المنادى المفرد على الفتح؛ لأنها حركة تشاكل حركة إعرابه لو أعرب‏.‏

فهو نظير ‏"‏لا رجلَ في الدار‏"‏، وأنشد هذا القائل‏:‏

يا ريحَ من نحو الشمال هُبِّي

بالفتح، وذهب أكثرهم إلى أنه مرخم فصار في التقدير ‏"‏يا أميمُ‏"‏ ثم أقحم التاء غير معتد بها وفتحها؛ لأنها واقعة موقع ما يستحق الفتح وهو ما قبل هاء التأنيث، وهذا ظاهر كلام سيبويه‏.‏

قلت‏:‏ فعلى هذا تكون مقحمة بين الحاء والتاء المحذوفة المنوية‏.‏

وللفارسي قولان‏:‏

أحدهما‏:‏ أنها زيدت ثم فتحت إتباعا لحركة الحاء‏.‏

والثاني‏:‏ أنها أقحمت بين الحاء وفتحها، فالفتحة التي في التاء هي فتحة الحاء ثم فتحت الحاء إتباعا لحركة التاء‏.‏

وقال في شرح التسهيل بعد ذكره مذهب سيبويه‏:‏ وأسهل من هذا عندي ان تكون فتحة التاء إتباعا لفتحة ما قبلها‏.‏

قلت‏:‏ هذا يوافق أحد قولي أبي علي في الإتباع، لكن ظاهر كلامه في الشرح أن التاء هي الأولى لا تاء زيدت بعد حذف الأولى فهي قول آخر‏.‏

الرابع‏:‏ أجاز قوم منهم الفراء إلحاق ألف التأنيث الممدودة بتائه في الفتح فأجازوا ‏"‏يا أسماء أقبلي‏"‏ وليس بصحيح؛ لأنه غير مسوغ‏.‏ ومقيس على ما ترك فيه مقتضى الدليل‏.‏

الخامس‏:‏ إذا وقف على المرخم بحذف الهاء فالغالب أن تلحقه هاء ساكنة؛ فتقول في الوقف على ‏"‏يا طلح‏"‏‏:‏ ‏"‏يا طلحهْ‏"‏‏.‏

واختلفوا في هذه الهاء‏.‏ فقيل‏:‏ هاء السكت وهو ظاهر كلام سيبويه، وقيل‏:‏ هي التاء المحذوفة أعيدت لبيان الحركة، وإليه ذهب المصنف‏.‏ قال ‏"‏في‏"‏ التسهيل‏:‏ ولا يستغنى غالبا في الوقف على المرخم بحذفها عن إعادتها أو تعويض ألف منها، وأشار بالتعويض إلى قوله‏:‏

قِفِي قبل التفرُّقِ يا ضُبَاعَا‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

فجعل ألف الإطلاق عوضا ‏"‏عن‏"‏ الهاء، ونص سيبويه وابن عصفور على أن ذلك لا يجوز إلا في الضرورة‏.‏

وأشار بقوله‏:‏ ‏"‏غالبا‏"‏ إلى أن بعض العرب يقف بلا هاء ولا عوض، حكى سيبويه ‏"‏يا حَرْمَل‏"‏ في الوقف بغير هاء‏.‏

قال الشيخ أبو حيان‏:‏ أطلقوا في لحاق هذه الهاء، ونقول‏:‏ إن كان الترخيم على لغة من لا ينتظر لم تلحق‏.‏

ثم قال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ والذي قد رُخِّمَا

بحذفها وفره‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

أي‏:‏ لا تحذف منه شيئا بعد حذف الهاء‏.‏

فعلم أن قوله‏:‏ ‏"‏ومع الآخر احذف الذي تلا‏"‏ خاص بالمجرد منها‏.‏

وما ذكره هو مذهب عامة النحويين، وأجاز سيبويه أن يرخم ثانيا بعد حذف التاء على لغة من لم يراعِ المحذوف، ومنه قوله‏:‏

أحَارُ بنَ بدر قَد وَليتَ ولاية‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

يريد‏:‏ أحارثةُ‏.‏

وقول الآخر‏:‏

يا أَرْطُ إنَّكَ فاعل ما قلْتَهُ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

يخاطب أرطاة بن سهية‏.‏

قال الشيخ أبو حيان‏:‏ ولو ذهب ذاهب إلى أن المؤنث يجوز في ترخيمه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ حذف التاء وهو الكثير‏.‏

والآخر‏:‏ حذفها مع ما قبلها كالحذف في منصور، لكان قولا‏.‏ وتقدير أن الشاعر في البيت الواحد نوى الترخيم أولا ثم نوى الترخيم ثانيا في الكلمة الواحدة حال النطق بها -يحتاج إلى وحي يسفر عن هذا التقدير‏.‏ انتهى‏.‏

ثم انتقل إلى المجرد فقال‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ واحظُلا‏.‏‏.‏‏.‏ ترخيم ما من هذه الها قد خَلا

إلا الرباعي فما فوق العَلم‏.‏‏.‏‏.‏ دون إضافة وإسناد مُتم

أي‏:‏ امنع ترخيم ما خلا من الهاء إلا ما اجتمعت فيه أربعة شروط‏:‏

الأول‏:‏ أن يكون زائدا على الثلاثة فلا يجوز ترخيم الثلاثي تحرك وسطه نحو‏:‏ ‏"‏حَكَم‏"‏، أو سُكِّن نحو‏:‏ ‏"‏بَكْر‏"‏ هذا مذهب الجمهور، وأجاز الفراء والأخفش ترخيم المحرك الوسط، ونقل عن الكوفيين، وفيه نظر؛ لأنه ‏"‏قد‏"‏ نقل عن الكسائي المنع إلا ‏"‏أن‏"‏ يثبت له قولان‏.‏

وأما الساكن الوسط فقال ابن عصفور‏:‏ لا يجوز ترخيمه قولا واحدا‏.‏ وقال في الكافية‏:‏ ولم يرخم نحو بكر أحد، وليس كما قالا بل فيه خلاف؛ حكي عن الأخفش وبعض الكوفيين إجازة ترخيمه، ونقل الخلاف فيه أبو البقاء العكبري وصاحب النهاية وابن هشام وابن الخشاب‏.‏

قلت‏:‏ وفصل بعض المتأخرين بين لازم السكون وعارضه، فقال‏:‏ لو سمى ‏"‏بضرب‏"‏ -المبني للمعفول- ثم سكن لما امتنع ترخيمه، ولو سمى به بعد الإسكان لم يجز ذلك‏.‏

الثاني‏:‏ أن يكون علما، وأجاز بعضهم ترخيم النكرة المقصودة نحو‏:‏ ‏"‏يا غَضَنْفَ‏"‏ في غضنفر قياسا على قولهم‏:‏ ‏"‏أطرق كَرَا‏"‏ و‏"‏يا صاح‏"‏‏.‏

الثالث‏:‏ ألا يكون ذا إسناد فلا يجوز ترخيم ‏"‏بَرَقَ نحرُه‏"‏ ونحوه، وسيأتي الكلام عليه‏.‏

الرابع‏:‏ ألا يكون ذا إضافة، خلافا للكوفيين في إجازتهم ترخيم المضاف إليه كقوله‏:‏

خُذُوا حظكم يا آل عِكْرمَ واذكروا

هذا عند البصريين نادر، وأندر منه حذف المضاف إليه بأسره، كقوله‏:‏

يا عبدَ هل تَذْكُرني ساعة‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏

يريد‏:‏ يا عبد هند، وعبد هند‏.‏ علم له، وتقدم أن ترخيم المضاف نادر أيضا في قوله‏:‏ يا علقم الخير‏.‏

فإن قلت‏:‏ أهمل المصنف من شروط ترخيم المجرد ثلاثة‏:‏

أحدها‏:‏ ألا يكون مختصا بالنداء‏.‏

والثاني‏:‏ ألا يكون مندوبا‏.‏

والثالث‏:‏ ألا يكون مستغاثا‏.‏

قلت‏:‏ أما الأول فلم ينبه عليه، وأما الثاني والثالث فقد تقدم ما يرشد إليهما وهو نصه على التزام حرف النداء معهما؛ لأن علة التزامه هي علة منع ترخيمهما، وأجاز ابن خروف ترخيم المستغاث إذا لم يكن فيه اللام‏.‏

كقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ أَعَام بْنَ صعصعةَ بْنِ سعْدِ

قال ابن الصايغ‏:‏ وهذا ضرورة، وقد ناداه بغير يا، وذلك ممنوع وقد سمع ترخيمه‏.‏

ومع اللام كقوله‏:‏

كلما نادى مُنادٍ منهم‏.‏‏.‏‏.‏ يا لتَيْمِ الله قُلنا يا لَمالِ

ثم اعلم أن الخالي من تاء التأنيث إذا استوفى شروط الترخيم فالمحذوف منه للترخيم إما حرف وإما حرفان وإما كلمة، فالذي يحذف منه حرف نحو‏:‏ ‏"‏حارث‏"‏ و‏"‏مالك‏"‏ فتقول‏:‏ ‏"‏يا حار‏"‏ و‏"‏يا مال‏"‏ وأما الذي يحذف منه حرفان فقد أشار إليه بقوله‏:‏

ومَعَ الآخِرِ احذفِ الذي تَلا

أي‏:‏ احذف مع الآخر ما قبله بخمسة شروط‏:‏

الأول‏:‏ أن يكون حرف لين، فلو كان حرفا صحيحا حذف الآخر وحده، فتقول في ‏"‏سفرجل وقِمَطْر‏"‏ يا سفرج ويا قِمَط، خلافا للفراء في نحو ‏"‏قمطر‏"‏ فإنه يقول‏:‏ يا قِمَ بحذف حرفين‏.‏

الثاني‏:‏ أن يكون ساكنا، لو كان متحركا لم يحذف فتقول في ‏"‏هَبَيَّخ‏"‏ و‏"‏قَنَوَّر‏"‏‏:‏ يا هَبيَّ ويا قنوَّ، بحذف الآخر وحده‏.‏

الثالث‏:‏ أن يكون زائدا، فلو كان أصليا لم يحذف فتقول في ‏"‏مختار‏"‏‏:‏ يا مختا، ولا تحذف الألف؛ لأنها بدل العين، وعن الأخفش أنه يحذف مع الآخر، وأجاز الجرمي في ‏"‏منقاد‏"‏‏:‏ يا منق‏.‏

الرابع‏:‏ أن يكون رابعا فصاعدا، فلو كان ثالثا نحو‏:‏ ‏"‏عماد‏"‏ و‏"‏سعيد‏"‏ و‏"‏ثمود‏"‏ فمذهب البصريين أنه يرخم بحذف آخره فقط، ونقل المصنف عن الفراء أنه أجاز في نحو ‏"‏عماد‏"‏ و‏"‏سعيد‏"‏ وجهين‏:‏ حذف الآخر وحده كالبصريين، وحذفه مع الألف والياء فتقول‏:‏ يا عم وياسع، وأما في ثمود فيحذف الحرفين ولا يجيز يا ثمو؛ لأن بقاء الواو يستلزم عدم النظير، ونقل غيره عن الفراء أنه يحذف الحرفين في ثمود ويحذف الآخر فقط في عماد وسعيد‏.‏

الخامس‏:‏ أن يكون قبله حركة مجانسة، فلو كان قبل الواو والياء فتحة نحو‏:‏ ‏"‏غُرنَيْق‏"‏ و‏"‏فرعون‏"‏، فمذهب الجرمي والفراء أنه يحذف مع الآخر كالذي قبله حركة مجانسة لا يفرقان بين النوعين‏.‏ قال في شرح الكافية‏:‏ وغيرهما لا يرى ذلك بل يقولون‏:‏ يا فرعو، ويا غرني‏.‏ قلت‏:‏ وذكر الجرمي أن ما ذهب إليه هو مذهب الأكثرين‏.‏

وإلى هذا الخلاف أشار بقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ والخلف في‏.‏‏.‏‏.‏ واو وياء بهما فتح قُفي

فإن قلت‏:‏ إطلاقه يوهم إجراء الخلاف في نحو ‏"‏مصطَفَوْنَ‏"‏ -علما- لأن واوه قبلها فتحة، وليس كذلك، بل يقولون في ترخيمه‏:‏ يا مُصْطَف وجها واحدا، وقد نبه في شرح الكافية على ذلك‏.‏

قلت‏:‏ الواو في مصطفون ونحوه من الجمع بعد الضمة مقدرة؛ لأن أصله مصطفيون فأعل على ما اقتضاه التصريف، فليست الواو في التقدير بعد فتح، وإلى هذا أشار بقوله في التسهيل‏:‏ مسبوق بحركة مجانسة ظاهرة أو مقدرة‏.‏

ومثال ما حذف منه حرفان؛ لاجتماع الشروط المذكورة‏:‏ عمران وحماد وأسماء وزيدان ومسلمات -علمين- وحمدون ومنصور وزيدون وملكوت -علمين- ‏"‏وجعفر ومسكين‏"‏ وغسلين وعفريت -أعلاما‏.‏

ثم أشار إلى ما يحذف منه كلمة بقوله‏:‏

والعَجْزَ احذِفْ من مركَّب

إذا رخم المركب حذف عجزه نحو‏:‏ ‏"‏يا بعلَ‏"‏ و‏"‏يا سيبَ‏"‏ في بعلبك وسيبويه، وفي خمسة عشر -علما- يا خمسةَ، ومنع الفراء ترخيم المركب من العدد إذا سُمي به، ومنه أكثر الكوفيين ترخيم ما آخره ويه، وذهب الفراء إلى أن لا يحذف منه إلا الهاء فتقول‏:‏ يا سيبوَيْ، وقال ابن كيسان‏:‏ لا يجوز حذف الثاني من المركب بل إن حذفت الحرف أو الحرفين فقلت‏:‏ يا بعلبَ ويا حضرمَ، لم أرَ به بأسا، والمنقول أن العرب لم ترخم؛ وإنما أجازه النحويون‏.‏

تنبيه‏:‏

إذا رخمت ‏"‏اثنا عشر، واثنتا عشرة‏"‏ -علمين- حذفت العجز مع الألف قبله ‏"‏يا اثنَ، ويا اثنتَ‏"‏ كما يقال في ترخيمهما لو لم يركبا، نص على ذلك سيبويه وعلته أن عجزهما بمنزلة النون؛ ولذلك أعرابا‏.‏

وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وَقَلْ‏.‏‏.‏‏.‏ تَرخِيمُ جُملةٍ وذا عمروٌ نَقلْ

قال المصنف‏:‏ أكثر النحويين لا يجيزون ترخيم المركب المضمن إسنادا كتأبط شرا، وهو جائز؛ لأنه سيبويه حكى ذلك في ‏"‏بعض‏"‏ أبواب النسب فقال‏:‏ تقول في النسب إلى تأبط شرا تأبطي؛ لأن من العرب من يقول‏:‏ يا تأبط، ومنع ترخيمه في باب الترخيم، فعُلم بذلك أن منع ترخيمه كثير، وجواز ترخيمه قليل، وقال الشارح‏:‏

فعلم أن جوازه على لغة قليلة، وإلى هذا أشار بقوله‏:‏ ‏"‏وذا عمرو نقل‏"‏ وعمرو هو اسم سيبويه‏.‏

قال الشيخ أبو حيان‏:‏ وهوغير صحيح؛ لأن سيبويه لم ينص على ترخيمه، بل قال‏:‏ من العرب من يفرد فيقول‏:‏ ‏"‏تأبط أقبل‏"‏ فيجعل الأول مفردا، وليس مناقضا لما قرره من أن المحكي لا يرخم، بل أراد أن من العرب من يفردها لا على جهة الترخيم‏.‏

ولذلك قال من يفرد ولم يقل من يرحم، ولا نعلم خلافا عن أحد من النحويين أن المحكي لا يرخم‏.‏

واعلم أن في ترخيم المنادى لغتين‏:‏

الأولى‏:‏ أن ينوي المحذوف‏.‏

والثانية‏:‏ ألا ينوي‏.‏

وقد أشار إلى الأول بقوله‏:‏

وإِنْ نويتَ بعد حذفٍ ما حُذِفْ‏.‏‏.‏‏.‏ فالباقيَ استعملْ بما فيه أُلِفْ

أي‏:‏ إذا نويت ثبوت المحذوف بعد حذفه للترخيم تركت ما قبله على حاله قبل الحذف واستعملته بما فيه من حركة نحو‏:‏ ‏"‏يا حارِ، ويا جعفَ، ويا منصُ‏"‏ في حارث وجعفر ومنصور، أو يكون ‏"‏يا قمطْ‏"‏ في ‏"‏نحو‏"‏ يا قمطر، خلافا للكوفيين؛ فإنهم لا يرخمون قمطرا أو نحوه مما قبل آخره ساكن إلا على لغة من لم ينو، وتقدم مذهب الفراء في حذفه‏.‏

تنبيه‏:‏

مقتضى قوله‏:‏ ‏"‏بما فيه ألف‏"‏ ألا يغير ما بقي عن شيء مما كان عليه قبل الحذف‏.‏ ويرد على إطلاقه مسألتان‏:‏

الأولى‏:‏ ما كان مدغما في المحذوف وهو بعد ألف، فإنه إن كانت له حركة في الأصل حركت بها نحو‏:‏ ‏"‏مُضارّ، وتَحاجّ‏"‏، فتقول فيهما‏:‏ يا مضار -بالكسر- إن كان اسم فاعل، وبالفتح وإن كان اسم مفعول، ويا تحاج -بالضم- لأن أصله تحاجُج‏.‏

وإن كان أصلي السكون حرك بالفتحة؛ لأنها أقرب الحركات إليه نحو‏:‏ ‏"‏أسحار‏"‏ اسم نبت، تقول فيه‏:‏ ‏"‏يا أسحار‏"‏ -بفتح الراء- هذا مذهب سيبويه‏.‏

ثم اختلف عنه فقال السيرافي‏:‏ يتحتم الفتح، وقال الشلوبين‏:‏ يختاره ويحيز الكسر، ونقل ابن عصفور عن الفراء أنه يكسر على أصل التقاء الساكنين، وهو مذهب الزجاج‏.‏ ونقل عنه أيضا صاحب رءوس المسائل أنه يسقط كل ساكن يبقى بعد الآخر حتى ينتهي إلى متحرك، فعلى هذا تقول‏:‏ ‏"‏يا أسْحَ‏"‏‏.‏

الثانية‏:‏ ما حذف لواو الجمع نحو‏:‏ ‏"‏قاضون‏"‏ فإنه إذا رخم بحذف الواو والنون رد إليه ما حذف منه؛ لزوال سبب الحذف، هذا مذهب الأكثرين، واختار في التسهيل عدم الرد‏.‏

ثم أشار إلى الثانية بقوله‏:‏

واجْعَلْهُ إن لم تنوِ محذوفا كما‏.‏‏.‏‏.‏ لو كان بالآخِر وضعا تُمِّمَا

أي‏:‏ إذا لم تنوِ المحذوف، فاجعل الباقي بعد الحذف كالاسم التام المصوغ على تلك الصيغة فيعطي آخره من البناء على الضم وغير ذلك من الصحة والإعلال ما يستحقه لو كان آخرا في الوضع فتقول‏:‏ ‏"‏يا حارُ، ويا جعفُ، ويا منصُ، ويا قمطُ‏"‏ -بالضم- في الجميع كما لو كانت أسماء تامة لم يحذف منها شيء‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ لو كان ما قبل المحذوف معتلا قدرت فيه الضمة على هذه اللغة، فتقول في ‏"‏ناجية‏"‏‏:‏ يا ناجي -بالإسكان- وهو علامة تقدير ضمها‏.‏

الثاني‏:‏ يجوز في نحو‏:‏ ‏"‏يا حر بن عمر‏"‏ على هذه اللغة -ضم الراء وفتحها- كما جاز ذلك في نحو‏:‏ ‏"‏يا زيد بن عمرو‏"‏، ثم فرع على الوجهين المذكورين فقال‏:‏

فَقُلْ على الأول في ثمود يا‏.‏‏.‏‏.‏ ثَمُو ويا ثَمِي على الثاني بيا

يعني بالأول لغة من ينوي، وبالثاني لغة من لا ينوي، فتقول في ترخيم ثمود على الأول يا ثمو؛ لأن الواو محكوم لها بحكم الحشو، فلم يلزم مخالفة النظير، وعلى الثاني يا ثمي بقلب الواو ياء، لتطرفها بعد الضمة كما فعل في أدل ونحوه؛ وذلك لأن بقاءها على هذا التقدير مستلزم عدم النظير؛ إذ ليس في الأسماء المتمكنة ما آخره واو قبلها ضمة، وإذا رخمت ‏"‏صَمَيان، وكَروان‏"‏ قلت على الأول‏:‏ يا صمي ويا كرو، وعلى الثاني‏:‏ يا صما ويا كرا، بقلب الياء والواو ألفا؛ لتحركهما وانفتاح ما قبلهما، ولا مانع‏.‏

وإذا رخمت ‏"‏سقاية وعلاوة‏"‏ قلت على الأول‏:‏ يا سقايُ ويا علاو، وعلى الثاني‏:‏ يا سقاءُ ويا علاءُ، بإبدال الياء والواو ‏"‏همزة‏"‏ لتطرفهما بعد ألف زائدة‏.‏

وأما نحو ‏"‏غاوٍ‏"‏ فتقول فيه على الأول‏:‏ يا غاوِ، وعلى الثاني‏:‏ يا غاوُ، ولا تبدلها همزة لوجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ ألا يتوالى إعلالان؛ لأن لامه أعلت‏.‏

والثاني‏:‏ ‏"‏أنه‏"‏ صار كاسم تام على ثلاثة أحرف، وما كان كذلك لا تقلب واوه همزة نحو ‏"‏واو‏"‏ ذكر ذلك الشيخ أبو حيان‏.‏

وإذا رخمت ‏"‏شاة‏"‏ قلت على الأول‏:‏ ياشا، وعلى الثاني‏:‏ يا شاة، برد اللام، لبقائها على حرفين ثانيهما حرف علة، ولا يكون كذلك اسم متمكن‏.‏

وإذا رخمت ‏"‏ذات‏"‏ قلت على الأول‏:‏ يا ذا، وعلى الثاني‏:‏ يا ذوا، برد المحذوف لا ذكر في شاة‏.‏

وإذا رخمت ‏"‏لات‏"‏ قلت على الأول‏:‏ يالا، وعلى الثاني‏:‏ يالا، برد اللام؛ لأنه لا يعلم له ثالث فيرد‏.‏

وإذا رخمت ‏"‏سُفيرج‏"‏ تصغير سفرجل قلت على الأول‏:‏ يا سفيرِ، وعلى الثاني‏:‏ يا سفيرُ ‏"‏عند الأكثرين‏"‏‏.‏

وقال الأخفش‏:‏ يا سفيرلُ، برد اللام المحذوفة، لأجل التصغير، وفروع الباب كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية‏.‏

ثم أشار إلى ما يلزم فيه الوجه الأول بقوله‏:‏

والتَزِمِ الأولَ في كمُسْلِمَهْ‏.‏‏.‏‏.‏ وجَوَّزِ الوجهينِ في كَمَسْلَمَهْ

يعني أن الوجه الأول وهو الترخيم على لغة من نوى يلتزم في الصفات المؤنثة بالتاء الفارقة بين المذكر والمؤنث نحو‏:‏ ‏"‏مسلمة‏"‏ فيقال فيه‏:‏ يا مسلمَ -بالفتح- ولا يجوز ترخيمه على الوجه الثاني؛ لأنه لو قيل ‏"‏فيه‏"‏‏:‏ يا مسلمُ -بالضم- لالتبس بالمذكر، بخلاف العلم نحو‏:‏ مسلمة، فإنه يجوز ترخيمه على الوجهين؛ لأن التاء فيه ليست للفرق‏.‏

قيل‏:‏ وكلامه في التسهيل يدل على اعتبار اللبس في العلم، وقد فهم من ذلك أن نحو‏:‏ ‏"‏ربعة‏"‏ يجوز ترخيمه على الوجهين وإن كان صفة؛ لأن التاء فيه ليست للفرق‏.‏

تنبيه‏:‏

لالتزام الوجه الأول سببان‏:‏

أحدهما‏:‏ ما ذكر، والثاني‏:‏ لزوم عدم النظير بتقدير التمام، فيمتنع الوجه الثاني في أمثلة منها ‏"‏طيلسان‏"‏ -بكسر اللام- إذ لو رخم على ‏"‏تقدير التام لزم‏"‏ وجود فَيْعِل -بكسر العين- في الصحيح، وهو مفقود إلا ما ندر من ‏"‏صيقل‏"‏ -اسم امرأة- وبَيْئِس في قراءة، ومنها‏:‏ حبلوى وحمراوى، فإنهما لو رخما على هذا الوجه، لقيل فيهما‏:‏ يا حبلى ويا حمرا، فيلزم من ذلك ثبوت ما لا نظير له‏.‏ وهو كون ألف فعلى وهمزة فعلاء مبدلتين من واو، وهما لا يكونان إلا للتأنيث، ومنها ‏"‏عُرقوة، وحذرية‏"‏ فإنهما لو رخما على هذا الوجه لقيل فيهما‏:‏ يا عرقى ويا حذرى، فيلزم وجود فُعلى وفعلى، وهما بناءان مهملان‏.‏

فإن قلت‏:‏ لم أهمل هاهنا ذكر السبب الثاني، وقد ذكره في الكافية والتسهيل‏؟‏ قلت‏:‏ هو سبب مختلف فيه‏.‏ وممن ذهب إلى اعتباره الأخفش والمازني والمبرد ونقل عنهم في ترخيم حبلوى، ونقل عن الأخفش في طيلسان، ونقله ابن أصبغ عن كثير من النحويين‏.‏

وذهب السيرافي وغيره إلى عدم ‏"‏عدم‏"‏ اعتباره، فأجاز الترخيم في المسائل المتقدمة، فلعله تركه ‏"‏لذلك‏"‏ وقوله‏:‏

ولاضطرار رَخَّمُوا دون نِدَا‏.‏‏.‏‏.‏ ما للنِّدَا يَصْلُحُ نحو أحمدا

يرخم في الضرورة ما ليس منادى بشرط أن يكون صالحا لأن يُنادى نحو ‏"‏أحمد‏"‏ فتقول فيه‏:‏ يا أحم‏.‏

وقد فهم من عدم تقييده جواز ترخيمه على الوجهين‏:‏ ‏"‏أما جواز ترخيمه‏"‏ على تقدير التمام فمجمع على جوازه كقوله‏:‏

لَنعْمَ الفتى تعشو إلى ضوء ناره‏.‏‏.‏‏.‏ طريفُ بنُ مالٍ ليلة الجوع والخَصَرْ

يعني‏:‏ ابن مالك‏.‏

وأما ترخيمه على نية المحذوف فأجازه سيبويه ومنعه المبرد، وهو محجوج بالقياس على النداء وبالسماع كقوله‏:‏

إن ابن حارث إن أشتقْ لرؤيته

أو أمتدحْه فإن الناس قد عَلمُوا

وقوله‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وأضْحَتْ منك شَاسِعَةً أُمَامَا

أنشدهما سيبويه، وأنشد المبرد‏:‏

‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ وما عهدى كعهدك يا أمَامَا

قال في شرح الكافية‏:‏ والإنصاف يقتضي تقرير الروايتين، ولا تدفع إحداهما بالأخرى‏.‏

وفهم من الشرط المذكور أن المعرف بأل لا يرخم في غير النداء؛ لعدم صلاحيته للنداء؛ ولهذا خطئ من جعل ‏"‏من‏"‏ ترخيم الضرورة قول العجاج‏:‏

أوَالِفَا مكة من وُرْقِ الحمي

فإن قلت‏:‏ فهل يشترط في ترخيم الضرورة عِلِّيَّة أو تأنيث بالهاء‏؟‏

قلت‏:‏ لا‏.‏ ونص على ذلك في التسهيل وهو المفهوم من إطلاقه هنا‏.‏

ومن ترخيم النكرة ‏"‏قوله‏"‏‏:‏

ليس حي على المنون بخالِ

يعني‏:‏ بخالد‏.‏